السعودية تنطلق في رحلة لدمج الذكاء الاصطناعي ضمن قطاع الرعاية الصحية

السعودية تنطلق في رحلة لدمج الذكاء الاصطناعي ضمن قطاع الرعاية الصحية

في ظل التطور السريع في مشهد الرعاية الصحية، برز دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة قوية وريادية تسهم في تغيير ملامح الرعاية التي يقدمها المتخصصون الطبيون للمرضى. ورغم التطور المستمر في استخدام هذه التقنية المتقدمة، إلا أننا رأينا العديد من الحالات التي أسهم فيها الذكاء الاصطناعي بالفعل في تعزيز الدقة والكفاءة والرعاية ذات الطابع الشخصي.

وعند دمج الذكاء الاصطناعي في وظائف مختلفة للرعاية الطبية، لا يكون الهدف هو إيجاد أدوات مستقلة تستطيع أن تحل محل الممارسين في قطاع الرعاية الصحية، بل توفير الأدوات التي تساعد الأطباء في تحسين عملياتهم كي يصبحوا أكثر كفاءة في عملهم، وقادرين على تقديم قدر أكبر من الرعاية ذات الطابع الفردي والشخصي.

وبالنظر إلى وجود نقص واسع النطاق في أعداد الأطباء، ساهم الذكاء الاصطناعي في تسريع العمليات وتفويض المهام إلى الأدوات والمنصات التي تعتمد على تلك التقنية بشكل أتاح للممارسين الطبيين مزيدًا من الوقت لتغطية قدر أكبر من العمل الميداني واليومي.

وضمن مبادرة رؤية 2030، تشرع المملكة العربية السعودية في رحلة طموحة لدمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، ومن ضمنها الرعاية الصحية. يمكن أن يساعد التنفيذ التدريجي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات اليومية للمستشفيات والمرافق الطبية في تعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية في المملكة مع استمرارها في ترسيخ مكانتها الرائدة عالميًا.

ووفقًا لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2023 الصادر عن جامعة ستانفورد، كانت آراء 76% من المشاركين في الاستبيان الذي أُجري في المملكة العربية السعودية إيجابية تجاه منتجات الذكاء الاصطناعي وخدماته.

 توضح الابتكارات التالية كيف يقوم الذكاء الاصطناعي بتحقيق التحول في الرعاية الصحية، إذ يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب إلى جعل العمل أكثر كفاءة ودقة ويمنحه الطابع الشخصي في كثير من الأحيان.

  • المساعدة في التشخيص 

استخدمت أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور الطبية، مثل تلك التي يتم الحصول عليها من خلال الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي، لتساعد هذه الأدوات في تشخيص حالات مختلفة مثل الأورام السرطانية وأمراض الشبكية والالتهاب الرئوي وغيرها.

كما توجد أمثلة للمساعدة في التشخيص باستخدام الذكاء الاصطناعي في أمراض القلب، حيث تُستخدم خوارزميات التعلم العميق لتشخيص النوبات القلبية بنفس الطريقة التي يستخدمها أطباء القلب. وفي حالات أخرى، تم تدريب شبكات الذكاء الاصطناعي باستخدام الصور السريرية لتقديم المساعدة في تشخيص الأمراض الجلدية، وتصنيف الآفات الجلدية بدقة.

وقد أثبتت الدراسات قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم أداء يضاهي أو يفوق أداء الخبراء البشريين في قدراته التشخيصية، إلى جانب تفوقه في الدقة والسرعة.

  • الجراحة بمساعدة الروبوت 

ومن الاستخدامات الناشئة الأخرى للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الطبية قدرته على المساعدة في دعم اتخاذ القرار الجراحي قبل العمليات الجراحية وبعدها وحتى أثناءها. يتحقق هذا الجانب عبر دمج المعلومات من مجموعة من مصادر البيانات المختلفة، مثل الإرشادات الجراحية والرؤى البحثية.

 وفي بعض الحالات، يمكن للروبوتات الجراحية المجهزة بقدرات الذكاء الاصطناعي أن تساعد الجراحين في إجراء العمليات بدقة أكبر. توفر خيارات التدخل الجراحي البسيط التي تتيحها الجراحة بمساعدة الروبوت العديد من الفوائد للمرضى، بما في ذلك الإقامة القصيرة في المستشفى والتعافي المبكر وتقليل الألم بشكل عام.

  • التعليم والتدريب الطبي 

بدأت كليات الطب بدمج أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة في برامج تدريس الطب ، حيث يمكن استخدام تلك التقنية في التعليم الطبي على ثلاثة مستويات:

  • الذكاء الاصطناعي المركز على المتعلم والذي يتضمن الأدوات التي يستخدمها الطلاب لتلقي المعلومات الجديدة وفهمها
  • الذكاء الاصطناعي المركز على المدرسين، والذي يسمح بتخفيف عبء العمل، واكتساب الرؤى حول الطلاب، ودمج الابتكارات الجديدة في فصولهم الدراسية.
  • الذكاء الاصطناعي المركز على المؤسسات، ويساعد في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الكليات والبرامج وإدارتها.

أما من الناحية العملية، فيتضمن دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم الطبي استخدام منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تتكيف مع أنماط التعلم الفردية وسرعتها واحتياجاتها. كما يمكن للطلاب تجربة عمليات المحاكاة المدعومة بالذكاء الاصطناعي وبيئات الواقع الافتراضي، والتي تمكنهم من ممارسة العمليات الجراحية أو تشخيص الأمراض أو المشاركة في السيناريوهات السريرية في بيئة آمنة وخاضعة للرقابة.

وبوسع الذكاء الاصطناعي المساهمة كذلك في تحسين المناهج الدراسية، مما يساعد مدرسي الطب في تصميم مناهج ديناميكية وحديثة، وتعديل منهجيات التدريس بناءً على رؤى قائمة على البيانات.

  • المعالجة اللغوية الطبيعية لسجلات الرعاية الصحية

ثبت بأن أنظمة البرمجة اللغوية العصبية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تحقق تحولًا ملموسًا في كيفية استخدامنا لسجلات الرعاية الصحية. ومن خلال تحليل واستخراج المعلومات القيمة من السجلات الطبية غير المنظمة، يمكن لهذه الأنظمة تحسين كفاءة الترميز والفوترة وإدارة البيانات بشكل كبير.

وتساعد أنظمة المعالجة اللغوية العصبية القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحويل البيانات النصية إلى معلومات منظمة وقابلة للاستخدام والتحليل، إلى جانب المساعدة في أتمتة عمليات الفوترة والترميز، وتحسين الدقة، وتقليل الأخطاء، وتسريع المهام الإدارية. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يساعد في اتخاذ القرارات السريرية من خلال تزويد الممارسين بنقاط بيانات مهمة، والإبلاغ عن المشكلات المحتملة، واقتراح خيارات العلاج الممكنة.

  • علم الجينوم 

 أحدث استخدام الذكاء الاصطناعي ثورة في علم الجينوم من خلال تعزيز إمكانات تحليل البيانات البيولوجية وتفسيرها وتطبيقها. تساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحديد تسلسل الجينوم بشكل أسرع وأكثر دقة من الخبراء البشريين، وتحديد الأنماط والطفرات والاختلافات في تسلسل الحمض النووي – وهو العمل الذي يساعد الأطباء في فهم الأمراض والصفات الوراثية.

ويمكن لخوارزميات التعلم الآلي التنبؤ بمخاطر الإصابة بالأمراض بناءً على التركيب الجيني للفرد، مع التنبؤ أيضًا بكيفية استجابة الشخص لأدوية أو علاجات معينة. وتُعد القدرة على تصميم خطط علاجية بناءً على الاستعداد الوراثي للمريض بمثابة تحول ثوري في مجال علم الجينوم.

 

متابعة أحدث المستجدات في عالم الطب 

أدى دمج الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية إلى إحداث تغير جذري في طريقة تعاملنا مع الصحة وعلاج المرضى. ومن خلال الاستفادة من الرؤى والقدرات القائمة على البيانات، يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحسين النتائج وتطوير رعاية أكثر كفاءة تتمحور حول المريض.

ويستمر تطور رحلة الذكاء الاصطناعي في الطب بالتزامن مع اكتشاف قدرات جديدة – من تغيير كيفية تشخيص الأمراض إلى توفير العلاجات الرائدة ذات الطابع الشخصي، وتمكين المرضى بالمعرفة والمعلومات.